*تصويت البرلمان الأوروبي عدوانٌ سافر على لبنان* *بقلم علي خيرالله شريف* عندما يُنَصِّبُ البرلمان الأوروبي نفسَهُ مُقَرِّراً

عاجل

الفئة

shadow
*تصويت البرلمان الأوروبي عدوانٌ سافر على لبنان*

*بقلم علي خيرالله شريف*

عندما يُنَصِّبُ البرلمان الأوروبي نفسَهُ مُقَرِّراً لمصيرنا ويُعلن بالتصويت "منع" عودة النازحين السوريين من لبنان إلى بلادهم. فهذا يعني أن أوروبا تشنُّ عدواناً سافراً على لبنان وسوريا معاً. نعم أوروبا هذه المرة وليس كيان العدو ولا سيدته المتغطرسة الولايات المتحدة الأميركية. والعدوان قد أتى بالنيابة عنهما، من مجموعة دول أقامت كياناً جغرافياً واقتصاديا وسياسياً اسمه "الاتحاد الأوروبي"، وكانت أهدافه المعلنة التضامن والتكافل فيما بينهم، إلى أن بانت الحقيقة فيما بعد، وصار جَلِيّاً أن ذلك الاتحاد وعلى رأسه فرنسا، يلعب نفس لعبة حلف الناتو في المنطقة، منذ ما بعد تغيير السياسة الديغولية تجاه العرب من قِبَل مؤسسي الاتحاد الأوروبي، وبالتحديد منذ أن دقَّ فرانسوا ميتران أول مسمارٍ في نعش مبادئ السياسة الديغولية الودودة مع العرب(والمتمردة على السياسة الأميركية)، ثم سُحِقَت فيما من قبل ساكوزي الذي قال لسفراء الدول العربية بعد وصوله إلى الإيليزيه عام 2007 "أقولها لكم بوضوح، أنا صديق إسرائيل!"، مروراً بهولاند ثم ماكرون ووزراء خارجيتهم الحمقى، الذين جعلوا فرنسا تلهث خلف الحلف الأطلسي في كل مخططاته ومؤامراته العدوانية على العرب وغير العرب، ومنها الحرب على ليبيا وسوريا ودول "الربيع العربي"، وتثبيت النازحين السوريين في لبنان بتمويل من جورج سورس.
من هم هؤلاء الأوروبيون حتى يفرضوا علينا غرائزهم وشهواتهم بتدمير أوطاننا؟
الكل يعلم أن أغلب الذين يتحركون ضمن إطار الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي بصفة برلمانيين ومبعوثين ومُكَلَّفين بمتابعة تنفيذ قراراتهما، يمثلون بأغلبهم النيوليبرالية الـمُهَيمِنة والمُصَدِّرة لتلك القرارات والفرمانات، وتحولوا إلى "خزمتشية" لديها تحت طائلة إسقاطهم.
نتمنى أن يفهم ذلك اللبنانيون والسوريون الذين يتلقون المساعدات من الاتحاد الأوروبي، وأن يُدرِكوا أن وقت سداد الدين قد حان، وسداد الدين هذا عند الأوروبيين والغربيين والناتو، وعند مؤسساتهم المسماة دولية، ليس تقسيطاً مريحاً طويل الأجل، بل هو تسليم الأوطان لهم واستسلامها لشروطهم التعجيزية، واستعبادٌ لشعوبها.
عندما يرضخ وزير خارجية لبنان عبدالله بو حبيب للضغوط الأوروبية ويتخاذل عن تلبية واجب الدفاع عن بلده ويمتنع عن الذهاب إلى سوريا لحل مشكلة ملايين النازحين السوريين الموجودين في لبنان، فهنا عدة أسئلة تطرح نفسها:
ما هو وطن الوزير عبدالله بو حبيب؟ هل يعتبر هذا الوزير أن لبنان وطنه، أم أنه يحمل جنسية أجنبية أخرى وجواز سفر غربي، ويضع حقيبته خلف الباب "لِيُشَمِّع الخيط" ويهرب عند أول صفارة إنذار؟ وفي حال هو هكذا فما الفائدة من توزيره في الحكومة اللبنانية؟
وهل ينص الدستور اللبناني على شرط أن يكون الوزراء في الحكم من متعددي الجنسيات والولاءات وتذاكر السفر؟
ما هو موقف رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من عدوان البرلمان الأوروبي علينا ومن اعتذار وزيره عن القيام بواجبه؟ ألا تجدر به إقالته من الحكومة لمجرد أنه اعتذر عن خدمة وطنه؟ أم أنه سيحُل المشكلة معه على طريقة "امسحها بدقني" وتكليف وزير غيره بالتراضي؟
وهل سيدفن رئيس الحكومة رأسه في الرمال كالنعامة، كي لا تتأثر مصالحه المنتشرة حول العالم، حتى لو أدى ذلك إلى خراب لبنان وإلى الدَوسِ على كرامته ومصالحه؟
ثم إننا لم نسمع بعدُ صُراخاً في الحكومة ومجلس النواب رداً على وقاحة البرلمان الأوروبي الذي يُصر على مواصلة الحرب على سوريا من خلال ملف النازحين، استجابةً لأوامر الناتو. ولم نسمع احتجاجاً شديد اللهجة على العدوان، ولا طرحاً للثقة بالوزير، ولا استجواباً للحكومة، ولا استدعاءً لسفراء الدول المعتدية...
نحن لا نستهجن تخاذل الحكومة ورئيسها عن وقف نواب الاتحاد الأوروبي عند حدهم، فهم من أصحاب السوابق، بل نستهجن سكوت المجلس النيابي عن هذا العدوان السافر. مهما كان موقفنا من رجب طيب أردوغان ومن أحلامه التوسعية، إلا أننا نقدِّر عالياً قراره بإقفال سبعين مدرسة فرنسية في تركيا رداً على قرار ماكرون بإقفال مدرسة تركية واحدة في باريس، فما كان من رئيس فرنسا إلا أن تراجع عن قراره وقدم اعتذاره لتركيا وأمر بلدية باريس بتقديم كل التسهيلات للمدرسة التركية فلا يقولَنَّ لها أحدٌ "محلا الكحل بعينك". أما حكومتنا فنجدها عاجزة حتى عن استدعاء السفيرة الفرنسية التي تطاولت بالأمس علينا وتبجحت بقرار النواب الأوروبيين. قد يقول البعض أننا لسنا بحجم تركيا ولا بقوتها، ولكن نقول لهذا البعض، عندما يكون لدينا شعبٌ يهزم القوة التي لا تُقهر، فإن هذا الشعب هو أقوى من تركيا ومن كل قرارات البرلمان الأوروبي، وتأثيره هو أكبر من حجمهما. وهو قادر على صنع المعجزات.
إن قرارات برلمان الاتحاد الأوروبي هي غير ملزمة لدوله نفسها، وهي ليست سوى لزوم ما لا يلزم بالنسبة إليهم، وبالتالي هي لا تلزمنا ولا تشكل أي عائق أمام مصالحنا الوطنية. وربما يحاول هذا البرلمان تعويض نقصه بالتحرش بالضعفاء، وباتخاذ قرارات تطال دولة بعيدة عنه ٤٠٠٠ كلم ومستقلة عن انتدابه منذ حوالي ثمانين سنة، وهي أقوى ممما يتصور.
نعم يمكن التصدي لهكذا قرارات ويمكن إفشالها، لو عرف المتسلطون على التحكم بنا كيف يتصرفون، ولو كانوا غير مُدانين بالفساد، وغير مفضوحين بالاختلاس وبقضايا الإثراء غير المشروع في محاكم أوروبا، ولو لم يكن غسيلهم الوَسِخ مَنشوراً على أرصفتها.
إن صمت الحكومة اللبنانية المريب عن العدوان الأوروبي يشبه الصمت اللبناني الجبان عن العدوان السعودي عدة مرات، ومن يُفَوِّتُ أول حجر سيتلقى الحجر الثاني في رأسه. وها نحن نتلقى في رؤوسنا بدل الحجارة رصاصاً قاتلاً يهدد لبنان بالزوال. وكما نقول باللهجة اللبنانية الدارجة "صرنا ممسحة للرايح وللجايي" بفضل مئات الرذائل التي يتمتع بها حكامنا.

*الاثنين 17 تموز 2023*

الناشر

Rawan Jamal
Rawan Jamal

shadow

أخبار ذات صلة